وأنا أتحدث عن عمل المرأة ونظرة الإسلام له فأنا لست بصدد مناقشة فتوى شرعية بتحريمٍ أو تحليلٍ، إن ما أردت تناوله في هذا المقال مجرد عرض تحليلي لما قرأت عنه في التاريخ الإسلامي ولفهمي لرؤية الإسلام للمرأة ولما تمثله للمجتمع.
عندما كنت أدرس في الصغر سيرة الرسول (عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم)، قرأت عن زواجه بالسيدة خديجة -رضي الله عنها- وكيف كان لها رغبة في الزواج به بعد ما شهدته من حسن خلقه وأمانته في عمله معها حين كان يتاجر لها في مالها، نعم! كانت السيدة خديجة أم المؤمنين سيدة أعمال وصاحبة مال تتاجر فيه وتنافس كبار تجار قريش وتشاركهم أحياناً.
واستعان (صلى الله عليه وسلم) بأسماء بنت أبي بكر في هجرته مع أبيها فكانت تنقل لهما الطعام والماء. وكان (عليه الصلاة والسلام) يخرج في الغزوات ومعه بعض نسائه للسقيا وتطبيب الجرحى، بل إن بعض النساء كنّ يشاركن في القتال كالصحابية الجليلة نسيبة بنت كعب المجاهدة الأنصارية التي ذادت عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) بنفسها في غزوة أحد، وقُطِعَت يدها في الجهاد (يقال في يوم اليمامة).
وكانت النساء في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- يبعن ويشترين ويستفتينه- عليه الصلاة والسلام- في كيفية البيع والشراء، بل وفي الزراعة. واشتهرت امرأة ابن مسعود بالصناعات اليدوية وكانت تتكسب منها، وكانت بعض زوجاته عليه الصلاة والسلام يعلّمن الناس دينهم وشرعهم بل ويفتينهم أيضاً.
وهكذا وعلى طول مرورنا بالتاريخ الإسلامي وما فيه من تكريم واحترام للمرأة واعتبارها إنساناً مستقل الشخصية حر الرأي والاختيار ، ومكلّفاً ومسئولاً عن أفعاله ومحاسباً عليها، نشعر أنه من البديهي أن يكون هذا الكيان المستقل مخوّلاً لاتخاذ قراراته وكسب عيشه. كما أن العمل عبادة وفضيلة وهو خيرٌ عند الله من ذلّ السؤال.
أما عن الشروط التي وضعها الإسلام للعمل فكانت مشتركة ولم يخص بها رجلًا أو امرأة، من الأمانة والإخلاص والإتقان والتفاني وإعطاء كل ذي حق حقه، فلا يجور عمل على الآخر ولا واجب على الآخر ، وأولاً وأخيراً أن يكون عمل أحلّه الله تعالى.
هذا عن العمل الاختياري، أما الوظيفة الأعظم التي خصّ الله بها المرأة دون الرجل هي الأمومة. فكيف لا نعطي هذه الوظيفة حقها من الاحترام وهي الأهم والأصعب. وإن كان الله قد وضع في المرأة هذه القدرة: قدرة أن تكون أمًا؛ قوة التحمل والصبر أثناء الحمل والولادة؛ والحنان والتيقظ في مراحل الطفل الأولى؛ والحكمة والكياسة والحزم في تنشئة المولود وتعليمه، فكيف وإن أدّت المرأة هذه الوظيفة أن ندّعي ضعفها و قصور فكرها عن إدارة أي وظيفة أخرى.
في النهاية أرى أن من حق المرأة أن تقرر - وبدون إخلال بشروط العمل التي فرضها الإسلام- أين تستطيع أن تكون وفي أي عمل يكون الاستغلال الأمثل لمواهبها وقدراتها التي حباها الله بها لتنفع نفسها والمجتمع من حولها.